: غرق الاستثمار بالسلامة والأمان أم غرق العبارة السلام? الأحد 12 فبراير-شباط 2006
د. علاء الدين الفرارجي :
العبارة السلام, التي تحتل العناوين الرئيسية في نشرات الاخبار في الفضائيات, وتحتل الصفحات في الصحافة العالمية والعربية والمحلية, ليست سوى نموذج لاحد مؤسساتنا بالرغم من انها ترفع علم بنما ولا ترفع احد الاعلام العربية وبالرغم من انها سفينة دولية في المياه الدولية.
ويجب ان ننظر لهذا الحادث الرهيب على انه تجسيد لما نعيشه ويدور في الكثير من مؤسساتنا, من حيث عدم الاهتمام بالسلامة والامان, وعدم الاحتياط والاحتراز للكوارث والحوادث وعدم اعطاء الامن والسلامة المساحة الكافية من الاهتمام على جميع المستويات بل وعدم وجود الكوادر المؤهلة والمتخصصة في الوقاية من المخاطر والامن والسلامة وفي حالة وجود القوانين والقرارات واللوائح الحديثة المتعلقة بالامن والسلامة والوقاية من المخاطر فإن تنفيذها على ارض الواقع, والتأكد من التنفيذ الامين لها من خلال التفتيش والتدقيق هو امر ثالث وقد لا يكون مطبقا بطريقة مرضية ومريحة للضمائر الحية.
والامثلة كثيرة على الحوادث التي تتكرر بحياتنا وبالمؤسسات والمواقع المختلفة, سواء الحرائق او اصابات العمل التي يصل بعضها الى الوفيات او العاهات المستديمة او حوادث الطرق او حوادث الطائرات او حادث مسرح بني سويف او حادث قطار الصعيد, او حادث الحريق في مستشفى الاطفال او غيرها من الحوادث التي يتتابع حدوثها, وتختلف شدتها وجسامتها ولكن يبدو ان التعامل معها لم يصل الى جذورها لذلك فإنها تتكرر, وتزداد حدتها وشدتها, دون ان نحاول ان نستخلص الدروس المستفادة من تلك الحوادث, واهم هذه الدروس هو الاستثمار مرتفع العائد بالسلامة, وان يكون الاهتمام بالسلامة بندا رئيسيا على جدول اعمال كل مؤسسة, سواء كانت عبارة بالبحر او طائرة بالجو او مدرسة او مستشفى او مصنع, وهذا الاستثمار بالسلامة يعطي عائدا مرتفعا لانه يحقن الدماء, ويحفظ الارواح والممتلكات ويوفر الكثير من تكاليف الانقاذ وادارة ومكافحة الكوادر ودفع التعويضات للضحايا, فضلا عن ان الاستثمار بالسلامة يحفظ صورتنا امام انفسنا وامام الغير, وهذا الاستثمار بالسلامة ليس بمجرد اصدار القوانين والقرارات والتشريعات او اعطاء التصريحات, بل انه تحويل السلامة الى سلوك يومي وسياسات واجراءات عمل والتزام مؤسسي وانساني ومسؤولية للادارة بجميع المستويات, فضلا عن توفير الامكانات اللازمة للوقاية والسلامة سواء كانت في صورة تدريب مستمر او تجهيزات او معدات وتقنيات او كوادر متخصصة وقادرة على الاضطلاع بمسؤوليات ومهام السلامة بدءا بالوقاية ومرورا بالتدريب النظري والعملي ووصولا الى التصرف السليم والواعي عند حدوث او قبل الكوارث والازمات ووفقا لسيناريوهات يتم التدريب المسبق عليها لصقل المهارات للتصرف السليم عند حدوث الكوارث. والتدريب على ممارسة الادوار والمسؤولية.
ان ما اتاحته التقنيات الحديثة من وسائل اتصالات واجهزة انذار وانظمة معلومات ووسائل حماية ومكافحة للحوادث والكوارث لم تترك مجالا للفهلوة او للاجتهاد, والمطلوب فقط هو الادارة الفطنة والواعية للموارد والامكانات والتقنيات المتاحة للوقاية من المخاطر والكوارث والحوادث والتصرف السليم عند حدوث او قبل الكوارث والازمات, سواء بالجو او بالبحر او بالمستشفيات او بالمدارس او بغيرها من المواقع والمنشآت والتي تتكرر بها الكوارث والحوادث.
ولا نتعلم شيئا مما يحدث ونعجز عن استخلاص ما يلزم من الدروس المستفادة على الرغم من ان ثقافتنا وتعاليم ديننا الحنيف تحض على الجودة والاتقان والمحافظة على الارواح وتحفظ كرامة البشر وتحقن الدماء.
وان كان حادث غرق العبارة السلام قد كشف عن الكثير فان اهم ما كشف عنه اننا بحاجة الى الاستثمار بالسلامة والوقاية من المخاطر, بجميع المواقع والمنشآت وفي مقدمتها المستشفيات فهي ليست استثناء من الاهتمام بالسلامة والوقاية من المخاطر, وسلامة المرضى فهناك الكثير من المخاطر التي تحتاج للاهتمام داخل المستشفيات وتحتاج الى وجودها بدائرة اهتمام الادارة دائما, لذلك فان معايير جودة الرعاية الصحية ومعايير الاعتراف بالمستشفيات Hospital Accreditation لم تغفل الوقاية من المخاطر وسلامة المرضى من قائمة اشتراطات حصول المستشفيات على الاعتراف والاحتفاظ بصك الاعتراف لانه لا يمكن التجاوز عن السلامة والامان ولا يمكن القبول بأن يغرق الاستثمار بالسلامة مع حادث غرق العبارة السلام, وبالبحر الكثير من العبارات التي يتهددها ما حدث للعبارة السلام ما لم نستيقظ ونعيد الاعتبار للسلامة والامان بجميع مؤسساتنا ضمن تطلعاتنا للجودة, بتطبيق المعايير بصدق واخلاص وضمائر حية.
* عضو الجمعية الدولية لجودة الرعاية الصحية
صحيفة السياسة الكويتية
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home